responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ط العلمية المؤلف : ابن كثير    الجزء : 1  صفحة : 338
إِلَى الدَّارِ الدُّنْيَا فَنُقَاتِلَ فِي سَبِيلِكَ حَتَّى نُقْتَلَ فِيكَ مَرَّةً أُخْرَى- لِمَا يَرَوْنَ مِنْ ثَوَابِ الشَّهَادَةِ- فَيَقُولُ الرَّبُّ جَلَّ جَلَالُهُ: إِنِّي كَتَبْتُ أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لَا يَرْجِعُونَ.
وَفِي الْحَدِيثِ الذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ [1] عَنِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ عَنِ الْإِمَامِ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَسَمَةُ الْمُؤْمِنِ طَائِرٌ يَعْلُقُ فِي شَجِرِ الْجَنَّةِ حَتَّى يُرْجِعَهُ اللَّهُ إِلَى جَسَدِهِ يَوْمَ يَبْعَثُهُ» فَفِيهِ دَلَالَةٌ لِعُمُومِ الْمُؤْمِنِينَ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ الشُّهَدَاءُ قَدْ خُصِّصُوا بِالذِّكْرِ فِي الْقُرْآنِ تشريفا وتكريما وتعظيما.

[سورة البقرة (2) : الآيات 155 الى 157]
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ (156) أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)
أخبرنا تعالى أنه يبتلي عباده، أَيْ يَخْتَبِرُهُمْ وَيَمْتَحِنُهُمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ [مُحَمَّدٍ: 31] فَتَارَةً بِالسَّرَّاءِ وَتَارَةً بِالضَّرَّاءِ مِنْ خَوْفٍ وَجُوعٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى: فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ [النَّحْلِ: 112] فَإِنَّ الْجَائِعَ وَالْخَائِفَ كُلٌّ مِنْهُمَا يَظْهَرُ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا قَالَ لِبَاسُ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ. وَقَالَ هَاهُنَا: بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ أَيْ بِقَلِيلٍ مِنْ ذَلِكَ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ أَيْ ذَهَابُ بَعْضِهَا وَالْأَنْفُسِ كَمَوْتِ الْأَصْحَابِ وَالْأَقَارِبِ وَالْأَحْبَابِ وَالثَّمَراتِ أَيْ لَا تُغِلُّ الحدائق والمزارع كعادتها.
قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: فَكَانَتْ بَعْضُ النَّخِيلِ لَا تُثْمِرُ غَيْرَ وَاحِدَةٍ، وَكُلُّ هَذَا وَأَمْثَالُهُ مِمَّا يَخْتَبِرُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ فَمَنْ صَبَرَ أَثَابَهُ ومن قنط أحل به عقابه، ولهذا قال تعالى: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ وَقَدْ حَكَى بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْخَوْفِ هَاهُنَا خَوْفُ اللَّهِ، وَبِالْجُوعِ صيام رمضان، وبنقص الْأَمْوَالِ الزَّكَاةُ، وَالْأَنْفُسِ الْأَمْرَاضُ، وَالثَّمَرَاتِ الْأَوْلَادُ، وَفِي هَذَا نَظَرٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى من الصابرين الذين شكرهم فقال: الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ أَيْ تَسَلَّوْا بِقَوْلِهِمْ هَذَا عَمَّا أَصَابَهُمْ وَعَلِمُوا أَنَّهُمْ مِلْكٌ لِلَّهِ يَتَصَرَّفُ فِي عَبِيدِهِ بِمَا يَشَاءُ، وَعَلِمُوا أَنَّهُ لَا يَضِيعُ لَدَيْهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَحْدَثَ لَهُمْ ذَلِكَ اعْتِرَافَهُمْ بِأَنَّهُمْ عَبِيدُهُ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ. وَلِهَذَا أَخْبَرَ تَعَالَى عَمَّا أَعْطَاهُمْ عَلَى ذَلِكَ، فَقَالَ: أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ أي ثناء من الله عليهم. قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: أَيْ أَمَنَةٌ مِنَ الْعَذَابِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: نِعْمَ الْعَدْلَانِ وَنَعِمَتِ الْعِلَاوَةُ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ فَهَذَانَ الْعَدْلَانِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ فَهَذِهِ الْعِلَاوَةُ وَهِيَ مَا تُوضَعُ بَيْنَ الْعَدْلَيْنِ وَهِيَ زِيَادَةٌ فِي الحمل فكذلك هؤلاء أعطوا ثوابهم

[1] مسند أحمد (ج 3 ص 455) .
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ط العلمية المؤلف : ابن كثير    الجزء : 1  صفحة : 338
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست